سيدة لا تعرف معنى الاستسلام
رغداء رجب، أم لـ 3 بنات (نور – أسماء – فاطمة)، فقدت زوجها منذ 9 سنوات، من منطقة الأبزمو بريف حلب الجنوبي، ومنذ رحيل زوجها هي المسؤولة بشكل كامل عن إعالة بناتها وتأمين معيشتهن وحمايتهن وتعليمهن، تعيش رغداء الآن في إحدى قرى مدينة اعزاز برفقة بناتها الثلاثة بعد محطات نزوح متعددة.
سنوات سبعة عاشتها رغداء برفقة زوجها ينتظرون أن يرزقوا بمولودهم الأول، فكانت فرحتهم الأولى بعد هذه السنين السبعة بطفلتهم الأولى بعد أن أسسوا منزلهم أولاً بأول حسب ما خططت له مع زوجها ليكون ملاذهم بعد أيام العمل الطويلة، مكان يجمعهم بأحبتهم جميعاً كما تصف رغداء أجواء رمضان واجتماع العائلة والتقاليد الرمضانية في منطقتهم.
خسرت رغداء زوجها منذ 9 سنوات، إثر قصف استهدف المنطقة، فكانت نقطة التحول في حياتها ونقطة اللاعودة، فلم تخسر زوجها فقط إنما خسرت منزلها الذي بنته معه على مدى سنين واضطرت للنزوح المؤقت إلى ريف حلب الشمالي بسبب القصف الذي تعرضت له منطقتهم بسبب قربها من خطوط الاشتباكات، ثم عادت من جديد إلى قريتها ومنزلها المتضرر بعد الهدوء النسبي في منطقتهم وكونها لم تحتمل قسوة حياة النزوح.
مواجهة الحياة الجديدة
كانت عودتها هي الأصعب، فكانت وحيدة مع بناتها الثلاثة، دون معيل، دون عمل، فقررت استدانة مبلغ من المال لشراء بعض الأدوات المنزلية البسيطة وتفتتح بسطة صغيرة في منزلها لتأمين قوت بناتها ومصاريفهن، وبدأ أهل القرية والجيران بالشراء منها وبدأت تستطيع تأمين دخل بسيط كي لا تحتاج لطلب المساعدة من أحد كما تصف رغداء، ولكن الأوضاع الهادئة لم تدم طويلاُ، إذ عاد التصعيد في منطقة ريف حلب الجنوبي مطلع عام 2019 واضطرت إلى النزوح مع بناتها الثلاثة مجدداً إلى ريف حلب الشمالي دون أن تستطيع إخراج فرش منزلها أو بضاعة بسطتها الصغيرة وخسرت كل شيء، وانتهى بها المطاف في مدرسة تجمع بها النازحون في قرى مدينة اعزاز ومن ثم انتقلت إلى إحدى المخيمات لحاجة القرية لافتتاح المدرسة في العام الدراسي.
“دراسة بناتي أهم من الأكل والشرب، ووصية أبوهن أني خليهن يكملوا تعليمهن، أنا درست للثامن وأبوهن درس للبكلوريا وما قدرنا نكمل تعليمنا، بس بدنا بناتنا يعوضوا هالشي ويكملوا دراستهن بالجامعة وأكتر من الجامعة ويدرسوا دراسات عليا إذا الله يسر علينا”
بهذه الكلمات اختصرت رغداء هدفها في الحياة وهو تعليم بناتها الثلاثة، وبعد النزوح ازداد الوضع صعوبة ولكن بإرادتها القوية لم تتوقف وعادت رغداء للعمل بالأدوات المنزلية البسيطة لتستطيع تأمين مصاريف النقل لبناتها لمدرستهن، فهي تشتري كميات قليلة من الأدوات المنزلية لبيعها في المخيم الذي تتواجد فيه، ومن الأرباح البسيطة تدفع تكاليف نقل بناتها إلى المدرسة، إحداهن تدفع لأحد أصحاب الدراجات النارية في المخيم لإيصال ابنتها إلى المدرسة أما ابنتيها الباقيتين تدفع لباص المدرسة الذي ينقل طلاب المخيم إلى مدرسة القرية.
بداية المشروع الصغير
تقول رغداء: “في أحد الأيام وصلني رابط تسجيل على مشاريع صغيرة من مجموعات الوتس أب في المخيم، وأنا أقوم بالتسجيل على كافة الروابط التي تصل أملاً بإيجاد فرصة لتوسيع عملي أو الحصول على مساعدة تعينني على مشقة الحياة”، وبعد التسجيل تواصلت معي منظمة شفق لإبلاغي بقبولي في المشروع والاستعداد لحضور التدريبات، بعد القبول كان الوضع في المنزل أشبه بالعيد لي ولبناتي الثلاثة ولكنني أخفيت الخبر عن الجميع حتى أحصل على المشروع، بعد ذلك حصلت على التدريبات على مدار 3 أشهر حول إدارة المشاريع وتطويرها وبعد التدريبات لم يتم التواصل وظننت أنني لن أحصل على المنحة ما سبب نوعاً من خيبة الظن لدي، ولكن تبدد هذا الشعور بعد التواصل معي لتلقي المنحة بقيمة 1000$ لبدء مشروعي الصغير.
المشروع الذي اخترته هو مجال عملي السابق وهو بيع الأدوات المنزلية (البيع بالتجزئة) اخترت أحد المتاجر وقمت باستئجاره وشراء مجموعة من الأدوات ذات الجودة العالية بعكس ما كنت أعمل به سابقاً وهي المواد ذات الجودة المنخفضة بسبب الميزانية القليلة التي أمتلكها ولا أحد في المخيمات يشتري بأسعار مرتفعة لصعوبة أوضاعهم الاقتصادية، أما الآن في المحل أستطيع أن أبيع الأدوات ذات الجودة العالية وأنواع متعددة من الأدوات المنزلية ولم يقتصر على أنواع محددة كما في السابق، وبدأت بالعمل بشكل فعلي في المحل منذ عدة أيام والحمد لله الحركة التجارية جيدة نوعاً ما كبداية.
تقول رغداء: “أحلى شي بهالمشروع أني هلق عم أقدر أعطي بناتي مصروف على المدرسة، من قبل ما كنت أقدر أعطيهن أما هلق عم أعطيهن ولو شي قليل بس البنت بتفرح وقت أمها عم تعطيها مصروف لتحس حالها متل باقي البنات ومو ناقصها شي وبتفرح بين رفقاتها وقت يفوتو يشترو وهنن راجعين من المدرسة، وإذا أجاني ربح منيح قبل العيد بدي أشتريلهن بدل لبس صيفي وشتوي لكل وحدة منشان يفرحوا بالعيد لأن صرلي عيدين ماقدرت أشتريلهن ثياب”
الحياة الجديدة
تقول رغداء عن تسلسل أحداث يومها بعد الحصول على المشروع: “مشروعي هلق هو كل حياتنا أنا وبناتي وكل حديثنا، البنات ما إلهن حديث غير ماما بدها تروح عالمحل، ماما هلق بتجي من المحل، عايشين معي الفرحة، وبرمضان عم افتح المحل بالنهار 4 او 5 ساعات وبعدها بروح عالسوق بجيب احتياجات الإفطار وبرجع عالبيت لحضر الإفطار قبل أذان المغرب وهيك تقريباً كل يوم برمضان”
حلم رغداء أن تستطيع توسعة متجرها للحصول على دخل يكفي لتأمين احتياجات بناتها دون أن تحتاج لطلب المساعدة من أحد، وكحلم كل السوريين أن تعود إلى منزلها في قريتها وتحافظ على ما وعدت به زوجها وهو تعليم بناتها الثلاثة وضمان مستقبل مشرق لهن رغم كل الظروف الصعبة المحيطة، وتدعوا كافة السيدات اللواتي فقد أزواجهن ولديهن أيتام بالتفكير بأيتامهن وعدم التخلي عنهم والعناية بهن، تقول رغداء في الختام: “بكرة بناتي بس يكبروا ويدرسوا ويتخرجوا ان شاء الله بيقولوا صحيح نحنا خسرنا أبونا بس ماما ما خلتنا نخسر حياتنا ومستقبلنا كمان”
الله يرزقك ويحفظك ويسعدك ويقويكي على حلم زوجك وشكراً لمنظمة شفق كثير شكر وكل من ساهم مع منظمة شفق الله يجزيكم الخير يارب